ألمانيا تراهن على الحجر الطوعي وحس المسؤولية للتصدي لفيروس كورونا
برلين - في الوقت الذي تعلن فيه بلدان أوروبية تباعا عن الحجر الصحي التام لمواجهة انتشار فيروس كورونا، كانت آخرها بريطانيا أمس الاثنين، شكلت ألمانيا استثناء، حيث أنها لم تفرض حظرا للتجول كما كان متوقعا بالنظر إلى تزايد حالات الإصابة بالفيروس، ولكنها اختارت الحجر الذاتي أو الطوعي مع المراهنة على تحلي المواطنين الألمان بحس المسؤولية والانضباط والتضامن للتصدي لما اعتبرته المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أكبر تحدي لبلادها منذ الحرب العالمية الثانية.
فبعد أقل من أسبوع على اتخاذ إجراءات أولى لتقييد الحياة العامة في ظل تزايد الإصابات بفيروس كورونا وتسجيل وفيات في الولايات الألمانية، تم الإعلان عن إجراءات مشددة جديدة في أعقاب مشاورات بين الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية بالولايات الألمانية، أول أمس الأحد، لكنها لم تتضمن أوامر بالتزام المنازل ولكن حظرا للتجمعات العامة لأكثر من شخصين على أن يستثنى من هذا الإجراء الذي سيسري لمدة أسبوعين على الأقل، أفراد الأسرة والأشخاص الذين يقيمون في منزل واحد.
وقالت المستشارة الألمانية في أعقاب المشاوات "نريد السماح للناس بمغادرة المنزل لاستنشاق بعض الهواء النقي". ومع ذلك، فإن التدابير المعتمدة الآن "ليست توصيات، لكنها قواعد يجب على الجميع الالتزام بها".
وألحت ميركل على تقليل الاتصالات الاجتماعية إلى الحد الأدنى، وضرورة احترام مسافة 1,5 متر على الأقل بين الأشخاص في الأماكن العامة، داعية مواطينها إلى التحلي بالعقل والعاطفة.
كما شملت القيود الجديدة إغلاق المطاعم ومحلات الحلاقة ومراكز التجميل، حيث يصعب التقيد بمسافة التباعد بين الأشخاص.
وكانت التدابير الأولى التي أعلنت عنها ميركل في خطاب متلفز قد شملت حظر رحلات العطل الداخلية والخارجية للألمان، وإغلاق جميع النوادي والمسارح والمتاحف ودور السينما وحدائق الحيوانات والمسابح العامة والملاعب، بالإضافة إلى منع التجمعات في الكنائس والمساجد والمعابد وتجمعات الطوائف الدينية الأخرى، فيما تم الإبقاء على فتح متاجر بيع المنتوجات الغذائية ومحطات البنزين والبنوك والصيدليات.
وشددت ميركل في خطابها على أن "الأمر خطير. فلنأخذه على محمل الجد.. منذ الوحدة الألمانية في الواقع منذ الحرب العالمية الثانية لم يكن هناك أي تحد لبلدنا كان فيه العمل التضامني بالغ الأهمية مثلما هو عليه الآن"، معربة عن ثقتها في قدرة ألمانيا على التغلب على الأزمة، قائلة "إن ذلك يعتمد على تكاثفنا جميعا وانضباطنا والتزامنا بالقواعد".
وتعول ألمانيا من خلال الحجر الطوعي على تفهم الأشخاص للتدابير واستعدادهم لتقييد حياتهم الاجتماعية، وفق ما صرح رئيس ديوان المستشارية، هيلغه براون في حديث لصحيفة (دير شبيغل) الألمانية، موضحا أنه "في الوقت الحالي، وعندما ننظر إلى البلدان المجاورة لنا، التي فرضت بالفعل حظر التجول، يصبح من الواضح أنه سيكون هناك عبء إضافي هائل. بعد كل شيء، قلة قليلة من الناس، لاسيما في المدن، لديهم فناء خلفي أو بيت كبير. لهذا السبب، ندعو الجميع إلى الالتزام الجاد وتنفيذ الإجراءات التي تم تحديدها حتى الآن. وهذا يعني الامتناع عن جميع الاتصالات الاجتماعية".
وأشارت السلطات إلى أن معظم المواطنين يتصرفون بشكل مسؤول، سواء في فرانكفورت أو إيسن أو هامبورغ أو في برلين، حيث كان معظم الأشخاص متواجدين في الخارج بمفردهم أو مع شريك أو مع أفراد أسرهم.
غير أنه تم تسجيل بعض الانتهاكات العرضية في بلدة نوروبين بالقرب من برلين، على سبيل المثال حين فضت الشرطة ست حفلات أقامها شباب خلال عطلة نهاية الأسبوع.
كما أجرت الشرطة في بافاريا نحو 250 ألف عملية مراقبة، أول أمس الأحد - واضطرت إلى تنبيه 500 شخص لتغيير سلوكهم.
وقد تم التوصل إلى الاتفاق بين الحكومة الاتحادية والولايات بشأن الإجراءات الجديدة بشق الأنفس، حيث شهدت المشاورات بين الجانبين نشوب خلاف بين رئيس وزراء شمال الراين وستفاليا - أرمين لاشيت، ورئيس حكومة ولاية بافاريا ماركوس زودر حول الحاجة إلى حظر التجول.
وكان عدد من رؤساء حكومات الولايات قد هددوا بفرض حظر التجول حال عدم التزام المواطنين بإجراءات العزل الذاتي.
وأعلنت ولايتا بافاريا وزارلاند عن تقييد الحركة بشكل واسع. كما فرضت عدة مدن صغيرة حظرا للتجول في ظل نظام فيدرالي يمنح صلاحيات للولايات بحرية التصرف حسب احتياجاتها.
وترى صحيفة (فولكس شتيمه) الألمانية أن الحكومة تتجنب كلمة حظر التجول، لأنها تنطوي على حالة الطوارئ والحرمان من الحرية، مضيفة أن حظر الاتصالات الاجتماعية هو نفسه تقريبا، لكنه يبدو أكثر نعومة.
أما صحيفة (نويه إسنابروكر تسايتونغ) الألمانية فتعتبر أنه "يجب أن يثق السياسيون في نضج المواطن لتغيير السلوك من خلال المعرفة. في بعض مناطق ألمانيا، تم تقليص الحقوق الأساسية إلى درجة لم يكن أي شخص يتخيلها. وهذا يحول الوباء إلى اختبار حاسم للديمقراطية".
وارتفع عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا إلى 26.155 حالة، فيما بلغ عدد الوفيات 110 حالة حتى منتصف أمس الاثنين، بحسب بيانات معهد "روبرت كوخ" الألماني للأبحاث والتحاليل.
وأبدى معهد "روبرت كوخ" الألماني للأبحاث والتحاليل بعض التفاؤل الحذر إزاء معدل الإصابات بفيروس كورونا المستجد، والذي رصد فيه خفوتا بسيطا.
وقال مدير المعهد إنه "متفائل" من أن الإجراءات المطبقة في ألمانيا لها بالفعل تأثير ملموس، مضيفا أن المعهد رصد أيضا استنادا إلى بيانات الهاتف المحمول تراجعا في تنقل الأشخاص في ألمانيا -لكن ليس بما فيه الكفاية.
إرسال تعليق